حوار صحفي لمعالي السيد وزير الخارجية مع صحيفة أخبار اليوم المصرية

Published On: 19 يناير 2022

أجرى معالي السيد بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي وزير الخارجية حواراً مع صحيفة أخبار اليوم المصرية نشرته في عددها الصادر اليوم الأربعاء 19 يناير 2022، أجراه مع معاليه أسامة عجاج وعمر عبدالعلي، فيما يلي نصه:

*العلاقات بين مصر والسلطنة تضرب جذورها فى أعماق التاريخ ولن ينسى المصريون مواقف السلطنة قابوس الذى رفض الالتزام بقرار مقاطعة ومحاصرة مصر فى السبعينيات يضاف إلى ذلك الاتصالات التى تمت بين الرئيس عبدالفتاح السيسى وجلالة السلطان هيثم بن طارق ماذا نقول عن تلك العلاقات وعن رؤية معاليكم لمستقبلها فى ضوء الرعاية المباشرة لتلك العلاقات بين قيادة البلدين؟

رؤيتنا للعلاقات العمانية المصرية رؤية يتشارك فيها البلدان والشعبان الشقيقان وتقوم فى مجملها على أسس راسخة برسوخ التاريخ المشترك، قوامها الثقة المتبادلة والاحترام، وهى تحظى برعاية كريمة سامية ومباشرة من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم وأخيه فخامة الرئيس عبدالفتاح السيسى حفظهما الله نحو آفاق المستقبل الواعد بمزيد من التطور والتعاون والشراكة فى كل المجالات والمنافع المتبادلة.

*فى ضوء الاتصالات الأخيرة بين القاهرة ومسقط والاتفاق على عقد اللجنة الوزارية المشتركة برئاسة وزيرى خارجية البلدين ماهو المأمول من العقد وماهى آفاق التعاون على كل الأصعدة بين البلدين خاصة ان العام الماضي شهد اجتماعات وزارية نوعية تستهدف زيادة التعاون والتبادل التجارى بين البلدين ؟

نحن نرحب بانعقاد الدورة القادمة لأعمال اللجنة المشتركة فى مسقط، ونتطلع إلى استقبال معالي الأخ سامح شكرى وزير الخارجية للتباحث معا حول سبل تعزيز المصالح بين البلدين الشقيقين والارتقاء بكل الفرص الاستثمارية والتجارية بما يعود بمزيد من الفوائد. وسوف نولى أهمية خاصة لدور القطاع الخاص فى الجوانب الاقتصادية المتنوعة وتنمية التبادل التجارى والاستثماري، علاوة على إقرار برامج العمل المشترك على الصعيد الثقافي والإعلامي وغير ذلك من الاهتمامات.

*تحدثت تقارير عديدة عن تغيير جذرى فى السياسة الخارجية العمانية تزامنا مع تولى جلالة السلطان هيثم بن طارق مسئوليته هل صدقت تلك التقارير أم أن الأمر قد يكون فى تنفيذ السياسات مع الاحتفاظ بالثوابت؟

السياسة الخارجية العمانية تقوم على مبادئ استراتيجية ثابتة ومستمرة وبعيدة المدى محاورها الأساسية الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية والسعى الدءوب إلى حل القضايا وتقريب وجهات النظر عبر الحوار والوسائل السلمية. إنّ سلطنة عمان تؤمن بالسلام منهجا لسياستها الداخلية والخارجية وتعمل على تحقيق الوئام وتوثيق عرى التعاون والصداقة مع الجميع وبصورة لا ضرر فيها ولا ضرار.

*هل تعتقد أن المواقف العربية الأخيرة كافية لدعم حق مصر والسودان فى التوصل الى اتفاق ملزم يضمن إنهاء أزمة سد النهضة بشكل يراعى مصالح الدول الثلاثة؟

المواقف العربية يجب أن تتلاقى صفا واحدا مع هذا المطلب العادل من أجل التوصل إلى اتفاق يحفظ حقوق الدول الثلاث، ويعزز من أمنها واستقرارها ومن أمن واستقرار المنطقة.

*كما عودتنا السياسة الخارجية العمانية على انها وسيط مقبول فى العديد من الملفات ونتوقف عند الملف المثار حاليا الأزمة اليمنية حيث شهدت تحركا مكثفة فى الآونة الأخيرة فى ظل الحديث عن مبادرة عمانية متكاملة الأمر أشاع جوا من التفاؤل ولكن الأمور ظلت على ماهى عليها هل لنا فى مزيد من التفاصيل حول هذا الأمر؟

العمل الجاد يتطلب التفاؤل ويحتاج إلى الطاقة الإيجابية. ولذلك لن نألو جهدا وسنواصل دعم كل المساعى فى سبيل إيقاف الصراع الدائر فى اليمن والتوجه بجميع الأطراف إلى مائدة الحوار والحلول السياسية السلمية للأزمة ومن أجل مستقبل هذا البلد العربى الشقيق المجاور لنا وقد سبق لى ان أكدت اثناء كلمة السلطنة أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر الماضى اننا ماضون فى سعينا الدءوب والعمل مع المملكة العربية السعودية والمبعوثين الأممي والأمريكي الى اليمن ومع كل الأطراف اليمنية المعنية بهدف انهاء الحرب من خلال تحقيق وقف شامل ودائم لاطلاق النار من كل الأطراف واستئناف الجهود الانسانية بشكل كامل.

*مبادرات إنسانية عديدة قامت بها السلطنة تجاه الأزمة اليمنية سواء الإفراج عن أسرى وغيرها ألم يكن من الممكن البناء عليها لإيجاد حل سياسي؟

المبادرات الإنسانية تساعد على بناء الثقة وسنواصل دعمنا لهذه الجهود بكل ما أوتينا من قدرات للتخفيف من معاناة الأشقاء فى اليمن وصولا إلى وقف الاقتتال والتوصل إلى حل سياسى للأزمة وعودة الأمن والاستقرار.

*السلطنة لها اتصالات مع كل الأطراف اليمنية واللاعبين الرئيسيين الإقليمية والدولية فى الساحة اليمنية هل توصلت تلك الجهات على ان الحل السياسى هو الطريق الوحيد للحل دون أي حلول آخرى مع الخوف من عودة التشطير الى اليمن بين الجنوب والشمال؟.

لا شك أن الحل السياسى هو الأنسب والأجدى، واليمنيون هم الأولى بتقرير مصيرهم، وهم المسئولون عن تحديد مستقبل اليمن وسلامته ووحدة أراضيه. ودورنا هو دور مساعد وتوفيقي ليس إلا.

*هناك مؤشرات إيجابية باتجاه عودة العمل بالاتفاق النووى بين إيران ومجموعة خمسة زائد واحد كيف ترى انعكاس ذلك على مسألة الاستقرار فى منطقة الخليج والتى تحولت الى ساحة للمواجهة احيانا بين واشنطن وإيران؟

إنّ العودة إلى الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة الدول الكبرى تعّد ضرورة استراتيجية مهمة لأمن المنطقة والعالم. ونرى أن ذلك من شأنه أن يدشّن مرحلة جديدة من التعاون البناء فى المنطقة وبين مختلف الأطراف. ومع استئناف العمل بهذا الاتفاق يمكن أن نأمل ونتصور الدخول فى تطوير علاقات إقليمية ودولية أكبر وأوسع تعزز من فرص التعافي والنمو الاقتصادي العالمي والذى سيعود بمزيد من الخير والرخاء على الجميع بمشيئة الله.

*الحوار السعودي الإيراني يراوح مكانه بين التقدم والتجميد وكان هذا واضحا من خلال الجولات الأربعة التى شهدتها العاصمة العراقية بغداد هل السلطنة جزء من ترتيبات مثل هذا الحوار وهل استضافت اجتماعات بين الدولتين من قبل خاصة ان السلطنة وسيط مقبل من الطرفين؟

المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية دولتان متجاورتان كبيرتان ونتجاور معهما. وبالتالى فإننا ندعم المساعي المبذولة ونأمل لها أن تثمر خيرا لمصلحة تعزيز الأمن والاستقرار والازدهار فى منطقتنا.

*وكيف ترى الوضع فى منطقة الخليج بافتراض نجاح هذا الحوار الذى تأخر كثيرا مع أحاديث حول توسعه ليشمل دولًا إقليمية آخرى تركيا مثلا ؟

ترحب سلطنة عمان بالحوار والتعاون الإيجابي الهادف إلى تعظيم المصالح الجماعية بين الدول. ونرى أنّ ذلك يمكن أن يتحقق بالتوازي من خلال العلاقات والمشاورات الثنائية والتعاون متعدد الأطراف.

*سلطنة عمان كانت الضلع الثاني الذى عمل على اتمام المصالحة الخليجية مع الكويت ما تقييمك لتنفيذ اتفاق العلا بين الدول الموقعة عليه والذى مر عليه عام؟

نجحت قمة العُلا فى تجاوز تلك المرحلة الصعبة على دولنا وشعوبنا. ومن الطبيعي أنّ المسألة سوف تحتاج إلى بعض الوقت للتعافي تماما من الماضي القريب وسوف تعود المياه إلى مجاريها ونأمل الاستفادة من دروس تلك التجربة الحرجة والخروج منها بعزيمة أقوى للنجاح بمنظومة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التى برهنت بقمة العُلا أنّها قادرة على تجاوز المحن والتحديات والانطلاق نحو المستقبل بثقة أكبر لمواكبة توجيهات قادتنا وآمال وتطلعات شعوبنا فى البناء والتقدم والرخاء.

*شهد اجتماعات وزراء مجلس التعاون الخليجي الممهدة للقمة الأخيرة فى الرياض تدشين آلية تنسيق استراتيجي بين المجلس ومصر هل لديكم رؤية لتعزيز مثل ذلك خاصة ان هناك توافقًا فى المواقف تجاه العديد من القضايا والمواقف ؟

المواقف الخليجية المصرية متطابقة تقريبا فى العديد من القضايا المعاصرة. وآلية التنسيق الاستراتيجي تعزز من العلاقات المحورية الجماعية بيننا وتُضفى زخما مهما فى سياق تطوير الشراكة الاقتصادية بين السوق المصري والأسواق الخليجية. نعتقد أننا اليوم أحوج ما نكون إلى تنسيق مواقفنا الجماعية وتقويتها وضخ قيمة سياسية مضافة للنهوض بالشراكة الاستثمارية والمشاريع الإنتاجية التى تعود بمزيد من المنافع وفرص العمل والتشغيل.

*خطت السلطنة باتجاه عودة سوريا الى البيت العربى كيف ترى تلك القضية وانهاء سنوات القطيعة التى استمرت عشر سنوات؟

ظلت سلطنة عمان ثابتة فى موقفها منذ اندلاع الأزمة فى سوريا وطالما دعت إلى عودة دمشق إلى بيتها العربي فى الجامعة ومعالجة أي خلافات فى إطار الأسرة العربية، وسوف نستمر فى دعم المساعي الرامية إلى تحقيق ذلك، انطلاقا من الإيمان بالثوابت العربية الأصيلة التى نعمل على تعميقها وترسيخها كما يقتضيه الواجب بين الأشقاء.

*فى رأيك ما هو المطلوب لإعادة الاستقرار والأمن فى ليبيا خاصة بعد تفويت فرصة اجراء الانتخابات الرئاسية التى كانت مقررا لها ديسمبر الماضي ؟

يؤسفنا ما يجرى للأشقاء فى ليبيا نتيجة إخفاق الأطراف فى استكمال المسيرة الانتقالية والوصول بها إلى بر الأمان والاستقرار. نحن ندعو إلى وقف الاستقطاب والتدخلات الخارجية فى الشأن الليبي وتكثيف المساعى الإقليمية والدولية الداعية إلى مساعدة جميع الأطراف الليبية وتحفيزها على حد سواء نحو المصالحة والتآلف وتغليب المصالح الوطنية العليا للوطن الأم.

*مع التطورات على صعيد القضية الفلسطينية وإعادتها للمشهد الدولى من جديد هل تتوقع عودة استنئاف الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين ؟

لا مفر من ذلك ولكن قبل ذلك أرى فى المقام الأول أهمية تحقيق المصالحة الفلسطينية بما يعيد للقضية قوتها على الساحة الدولية، وبحيث يكون استئناف الحوار مع الإسرائيليين مبنيّا على توافق فلسطيني متكامل وتصوّر قابل للاستدامة فى إطار الشرعية الدولية ومرجعيات السلام القانونية ومبادرة السلام العربية وقد أعلنت فى كلمة سلطنة عُمان أمام اجتماعات الأمم المتحدة دعمنا وتأييدنا لقضايا ومطالب الشعب الفلسطيني فى سبيل اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن ومبادرة السلام العربية

*عام مر على وجود إدارة أمريكية ديمقراطية جديدة برئاسة جون بايدن كيف ترى مواقفها تجاه القضايا العربية وهل تراجع اهتمامها لصالح تحديات آخرى؟

علينا أن نتحلى بالواقعية والمصداقية، وألا نتوقع من الآخرين إيلاء الأولوية للقضايا العربية فلكل دولة اهتماماتها وأولوياتها فما حكّ جلدك مثل ظفرك. لذلك على الدول العربية أن تتكاتف بصورة أكبر وأن تكثّف جهودها وتنسق أدوارها لمعالجة أولوياتها من القضايا والتحديات وتحقيق الفاعلية المرجوة على الصعيد الدولي.

*لوحظ أن الزيارة الأولى لجلالة السلطان هيثم بن طارق الخارجية كانت لبريطانيا هل هذا يمثل رسالة بشكل أو بآخر تحدد ملامح علاقات السلطنة مع القوى الكبرى ودول صناعة القرار ؟

فى الحقيقة الزيارة الخارجية الأولى لجلالة السلطان هيثم حفظه الله كانت إلى المملكة العربية السعودية فى شهر يوليو الماضى تلتها زيارة لجلالته فى شهر نوفمبر إلى دولة قطر. أما الزيارة إلى بريطانيا فقد جاءت فى شهر ديسمبر من العام الماضي وكانت الزيارة الأولى لجلالة السلطان خارج المنطقة. ولا شك أن هذه الزيارات تعمل على تحديث وترسيخ العلاقات بين الدول والارتقاء بها استراتيجيا وعلى صعيد أولويات التعاون والشراكة.

*ما الكلمة الأخيرة التى يمكن أن ننهى بها هذا الحوار ؟

نسأل المولى جلت قدرته أن يجعل الوفاق حليفنا والسلام مرامنا والاستقرار مظلة دولنا العربية كافة.