مجلس التعاون الخليجي.. منجزاتٌ استثنائيةٌ وتطلّعاتٌ مستقبليّةٌ في ذكرى تأسيسه الثانية والأربعين
تحلّ اليوم ذكرى تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية الثانية والأربعين وهي تحمل في طيّاتها تاريخًا ثريًّا وتعاونًا استراتيجيًّا بين دول المجلس قطعت خلالها الدول الأعضاء خطوات كبيرة في تحقيق الأهداف التي حدّدها النظام الأساسي للمجلس من خلال تعزيز التكامل الاقتصادي والتعاون السياسي والتنمية الإقليمية بين هذه الدول وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف المجالات.
وقد جاء تأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية في الـ 25 من مايو 1981م في ظروف استثنائيّة نتيجة للتوتّرات الإقليميّة في ذلك الوقت وللتحدّيات السياسيّة والأمنيّة والاقتصاديّة التي كانت تواجه دول المنطقة مما دفع دول المجلس إلى توحيد الجهود والتعاون بينها، وتعزيز التكامل الاقتصادي والسّياسي والأمني لتحقيق الاستقرار والتعاون ومواجهة هذه التحديات.
وتتمثّل الأهداف الرئيسة لإنشاء مجلس التعاون الخليجي التي حدّدها النظام الأساسي للمجلس في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع المجالات، وتوثيق الروابط بين شعوبها، ووضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات، وفي الشؤون التعليمية والثقافية، والاجتماعية والصحية، والإعلامية والسـياحية، والتشـريعية والإدارية، ودفع عجلة التقدم العلمي والتقني في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية، وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشروعات مشـتركة، وتشجيع تعاون القطاع الخاص.
وفي هذا الشأن قال معالي السّيد بدر بن حمد البوسعيدي وزيرُ الخارجية إن الذّكرى السّنوية لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، تُطلّ وأبناء دول مجلس التعاون يستذكرون بكل اعتزاز وفخر يوم تأسيسه في 1981م الذي انطلقت فيه المسيرة المباركة خدمةً لدول المجلس وأبنائها وتعزيزا لأمنها واستقرارها.
وأكد معالي السّيد في تصريح لوكالة الأنباء العُمانية على أن حضرةَ صاحبِ الجلالةِ السُّلطان هيثم بن طارق المعظم /حفظهُ اللهُ ورعاهُ/ أكّد في أول خطاب له بعد تولّيه مقاليد الحكم على مواصلة دعم مسيرة مجلس التعاون، حيث قال جلالتُه: “وسنواصل مع أشقائنا قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا ولدفع منجزات مجلس التعاون قُدما إلى الأمام”.
ووضّح معالي السّيد أنه ومع إطلالة الذكرى الثانية والأربعين لمجلس التعاون يجدر بنا أن نبرز إنجازاته المشهودة، وما حققته مؤشرات التنمية لدول المجلس في كل المجالات، الأمر الذي يمنحنا جميعًا مزيدًا من الثقة والإرادة للمضي قُدما بالمسيرة المباركة للتعاون والإنجاز ولما فيه الخير والنماء لكافة مواطني دول المجلس، فالمواطن الخليجي هو محور التنمية الشاملة ومحرّكها، وهو المرتكز الأساسُ لتوجيهات وقرارات أصحابِ الجلالةِ والسُّموّ قادة دول المجلس /حفظهمُ اللهُ ورعاهُم/.
وبيّن معالي السّيد أن مجلس التعاون نجح في تعزيز مكانته الإقليمية وتفاعله وحضوره الدولي، وأصبح شريكًا فاعلًا وموثوقًا به لترسيخ الأمن والاستقرار حول العالم، وسعى المجلس ومنذ انطلاقته إلى توسيع شراكاته وحواراته الاستراتيجية مع العديد من الدول والتجمعات والدخول في مفاوضات التجارة الحرة مع الدول والمجموعات الاقتصاديّة الدوليّة تحقيقًا للمصالح المشتركة.
وأشار معالي السّيد إلى أن الدورة الحاليّة لمجلس التعاون التي ترأسُها سلطنةُ عُمان تسترشد بتوجيهات أصحابِ الجلالةِ والسُّمو قادةِ دول المجلس، الهادفةِ إلى صون المكتسبات التي تحقّقت في العقود الأربعة الماضية، والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، والسعي إلى التكامل الاقتصادي بكلّ برامجه ومشروعاته وأهدافه، وكل ذلك يتحقق بسواعد أبنائه وعزيمتهم بالمزيد من التنسيق والتكامل والترابط بين دول المجلس في جميع الميادين لبلوغ الطموحات والآمال المنشودة بعون اللهِ وتوفيقه.
ورفع معالي السّيد وزيرُ الخارجية تهنئته بهذه المناسبة إلى مقام أصحابِ الجلالةِ والسُّموّ قادةِ دول المجلس /حفظهمُ اللهُ ورعاهُم/ وإلى أبناء دول مجلس التعاون الأوفياء كافّةً أسمى آيات التهاني مبتهلًا إلى الله عزّ وجلّ أن يحفظ دول المجلس ويديم عليها نعمة الأمن والاستقرار والتقدم والازدهار.
من جانبه قال سعادةُ السفير إدريس بن عبد الرحمن الخنجري المندوبُ الدائمُ لسلطنة عُمان لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف إن الذكرى الثانية والأربعين لقيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية جسّدت أواصر التعاون خلال السنوات الماضية وعملت على تعزيز التنمية وتحقيق الازدهار والرفاه بين دوله الأعضاء، فمن خلال العمل على توحيد وتنسيق رؤى وتطلعات دول المجلس حققت دول مجلس التعاون الخليجي تقدّمًا ملحوظًا في مختلف المجالات مع تعزيز روح التضامن التي كانت بمثابة مصدر إلهام للكثيرين حيث وضعت دول المجلس إمكاناتها ومواردها الاقتصادية والبشرية في خدمة شعوبها وتعزيز مكانة مجلس التعاون الإقليمية والدولية.
وأكد سعادتُه على أن سلطنة عُمان -بصفتها رئيسةً للدورة الحالية لمجلس التعاون- تقوم بدور مهمّ في تعزيز مسيرة العمل الخليجي وإبراز جهودها الكبيرة في التواجد الخليجي على الساحة الأممية والدولية لتحقيق الرؤى المشتركة، مشيرا إلى أن السّلطنة تعمل خلال رئاستها الحالية على تنسيق العمل الخليجي المشترك بين بعثاتها لدى الأمم المتحدة في جنيف، مما يرسخ مكانة مجلس التعاون على المستوى الدولي ويبرز مواقفه الموحدة من مختلف القضايا التي تطرح في إطار المحافل الدولية.
وأضاف سعادتُه أن مسيرة مجلس التعاون الخليجي نموذجٌ للتعاون الإقليمي وتنفيذٌ لرؤى وتطلعات أصحابِ الجلالةِ والسُّمو قادةِ دول المجلس /حفظهُم اللهُ ورعاهُم/ وتطلعاتهم المشتركة لتحقيق الانسجام والازدهار في المنطقة، حتى صارت دول المجلس محل تقدير واحترام من قبل الأطراف كافة وعلى كل المستويات إقليميًّا ودوليًّا.
ووضح سعادتُه أن بعثات دول مجلس التعاون في جنيف تؤمن بأهمية التآزر وتعزيز التعاون المشترك بينها من أجل تحقيق أهداف وتطلعات الدول الأعضاء، وستسعى إلى مدّ جسور هذا التعاون وتطويره مع شركائها الدوليين، وتشجيع الحوار في المسائل ذات الاهتمام المشترك، ومواجهة كل التحديات الناشئة، وتعزيز التنمية المستدامة، وحل النزاعات وتحقيق السلام والاستقرار العالميين.
وأشار سعادةُ المندوب الدائم لسلطنة عُمان لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في جنيف إلى أن العالم يدرك أهمية مجلس التعاون وموقعه بصفته إطارًا تعاونيًّا وكتلة سياسيّة فاعلة، حيث أسهمت الروابط القويّة التي أقامها مجلس التعاون مع شركائه الدوليين وقيامه بدور الوساطة السياسيّة في حلّ العديد من القضايا الإقليميّة والدوليّة وتحقيق الاستقرار الدولي والإقليمي، وتمكين النمو الاقتصادي، وتسهيل التبادل الثقافي.
وإن التزام دول مجلس التعاون بالعمل الجماعي التوافقي في ظل احترام مبدأ سيادة الدول ومبادئ ومقاصد الأمم المتحدة واحترام القانون الدولي والمعايير الدولية ذات الصلة، محل اعترافٍ وتقديرٍ على نطاق واسع من قبل المجتمع الدولي.
ونظرًا لترؤّسها الدورة العادية الـ ٤٣ لمجلس التعاون، بدأت سلطنة عُمان في مايو الحالي بمسقط باستضافة اجتماعات اللجان الوزارية لمجلس التعاون الخليجي العربية، حيث تعمل هذه الاجتماعات على تعزيز التعاون بين دول المجلس في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والتعاون الأمني والدفاعي.
ففي الشأن السياسي، تضافرت الجهود الخليجية لتنسيق وتكامل السياسات الخارجية للدول الأعضاء وصولًا إلى بلورة سياسة خارجية موحّدة وفاعلة تخدم تطلّعات وطموحات شعوب دول الخليج وتحفظ مصالحها ومكتسباتها، وتُجَنِّب الدول الأعضاء الصراعات الإقليمية والدولية أو التدخل في شؤونها الداخلية، وتحقق الدعم والترابط الاستراتيجي بين السياسات الاقتصادية والدفاعية والأمنية المشتركة لتحقيق الأهداف والتطلُّعات المُشتركة.
وقد أسهمت دول الخليج في حلحلة العديد من القضايا الإقليمية أهمّها أزمة اليمن، حيث قام مجلس التعاون الخليجي بدور مهم ومحاولةٍ لحل هذه الأزمة من خلال التدخل الدبلوماسي والعمل بشكل مستمر على دعم الحوار والتشاور بين الأطراف المعنية والمبادرات ودعم التسوية السياسية وتقديم المساعدات الإنسانية بالإضافة إلى التعاون مع الأمم المتحدة من خلال دعم جهود المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن.
كما أسهمت جهود سلطنة عُمان والمملكة العربية السعودية في أبريل الماضي في التوصل إلى اتفاق المصالحة بين أطراف النزاع في اليمن تكلل بتبادل الأسرى، فعكست هذه الجهود المواقف الثابتة لكل دول مجلس التعاون الخليجي على إنهاء الأزمة اليمنية عبر الحل السياسي الشامل مما عزّز عملية السلام ومهّد الطريق نحو المصالحة وإنهاء الحرب في اليمن.
وفي الشأن الفلسطيني، كانت مواقف دول مجلس التعاون ولا تزال ثابتة حول أن القضية الفلسطينية قضية العرب والمسلمين الأولى، كما تدعم قيام الدولة الفلسطينية المستقلة ضمن حدود الرابع من يونيو1967م، وعاصمتها القدس الشرقية وتدعو إلى ضمان كل الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق، وترفض الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقامت دول مجلس التعاون بدور بارز في عودة الجمهورية العربية السورية لجامعة الدول العربية من خلال الحلّ الدبلوماسي والدعوة إلى إعادة سوريا إلى عضويتها في جامعة الدول العربية، وهو ما تكلل بالنجاح بمشاركتها في القمة العربية الـ ٣٢ في المملكة العربية السعودية كما دعت إلى دعم خطط ومبادرات الأمم المتحدة والجهود الدولية الأخرى المتعلقة بالأزمة السورية وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب السوري.
وحظي لبنان باهتمام خاص من مجلس التعاون منذ قيام المجلس حيث حرصت دول المجلس على سلامته وسيادته واستقلاله ودعم استقراره السياسي والاقتصادي والأمني، ودعا الشعب اللبناني إلى التلاحم ووحدة الصف وانتخاب رئيس وفقًا للدستور اللبناني، والعمل على كل ما من شأنه تحقيق تطلعات الشعب اللبناني الشقيق في الاستقرار والتقدم والازدهار.
وفي السودان، حظيت التطورات هناك باهتمام مجلس التعاون الخليجي وموقفه الثابت في الحفاظ على أمنه وسلامته واستقراره والحفاظ على تماسك الدولة ومؤسساتها، وطالب بأن تعمل جميع القيادات السياسية في السودان على التهدئة وضبط النفس وتغليب لغة الحوار وصوت الحكمة وتوحيد الصف لتجاوز الخلافات لتعزيز أمن واستقرار بلادهم، وتحقيق تطلعات الشعب السوداني.
وعلى المستوى الدولي، يتمتع مجلس التعاون الخليجي بمكانة مهمة أكسبته احترامًا عالميًّا وإقليميًّا، حيث نجح خلال العقود الأربعة الماضية في تأكيد حضوره في الساحة الدولية متخذا من لغة الحوار منهجًا في تعميق التفاهم المشترك حول القضايا الإقليمية والدولية، وتنمية العلاقات بين دول المجلس والعالم وغيرها من القضايا التي تتم مناقشتها في هيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها المختلفة.
وفي اجتماع لجنة التعاون المالي والاقتصادي لدول المجلس التعاون بمسقط في مايو الجاري ثمّن معالي جاسم محمد البديوي، الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جهود سلطنة عُمان في مسيرة مجلس التعاون الخليجي وما يلقاه العمل الخليجي المشترك من دعم ومساندة واهتمام من الحكومة العُمانية، مشيدا بما حققته دول المجلس من إنجازات حافلة في المجال الاقتصادي خلال السنوات الماضية.
كما أكد خلال الاجتماع الرابع والستين للجنة التعاون التجاري لأصحاب المعالي والسعادة وزراء التجارة بدول مجلس التعاون في مايو الحالي بمسقط على أن العمل التجاري الخليجي المشترك بين دول المجلس تبيّنت نتائج ثماره من خلال ما تشهده الحركة التجارية بين دول مجلس التعاون على جميع الأصعدة وفي مختلف النشاطات التجارية والاقتصادية.
وأشاد بتدشين منصة رواد الخليج في نسختها الأولى على هامش عقْدِ اجتماعات لجنة التعاون التجاري الـ(64) ولجنة التعاون الصناعي الـ(50) بدول مجلس التعاون بمسقط مشيرًا إلى أن المنصة تهدف لتيسير التواصل وتوفير البيانات والمعلومات اللازمة لرواد الأعمال الخليجيين للتعرف على الفرص الاستثمارية في المنطقة والجهات الداعمة لتمكّنهم من تطوير وتحسين أعمالهم وتكون منبرًا للتحاور والتشاور بين رواد الأعمال والمستثمرين بينهم.
ويشكل التنسيق والتكامل والترابط الاقتصادي بين دول مجلس التعاون أحد الأهداف الرئيسة لمجلس التعاون وفقا لما ورد في النظام الأساسي لمجلس التعاون في العام 1983م.
ومن ضمن الأهداف المنصوص عليها أيضا وضع أنظمة مماثلة في مختلف المجالات بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والصناعية والشؤون التجارية وغيرها من المجالات.
ويتجلى الاهتمام البالغ الذي يوليه أصحابُ الجلالةِ والسُّمو قادةُ دول المجلس بالتحول الاقتصادي الوطني القائم على عملية التنويع في أنشطتها وقطاعاتها الاقتصادية لدول مجلس التعاون، في الرؤى والخطط التنموية الاقتصادية المستقبلية الطموحة التي تبنتها دول المجلس للنهوض باقتصاداتها حتى عام 2030م، وفي الخطوات المهمة التي أنجزتها لتعزيز مسيرة العمل الخليجي المشترك من بينها إنشاء هيئة للشؤون الاقتصادية والتنموية في العام 2016م، والهيئة القضائية الاقتصادية التي أنشئت في العام نفسه.
وتتمثل أهم المشروعات الاقتصادية المشتركة خلال الـ 40 السنة الماضية لمجلس التعاون في تحقيق التكامل الاقتصادي البيني في الشبكة الخليجية للصرف الآلي والسوق الخليجية المشتركة وهيئة الربط الكهربائي والبطاقة الذكية الموحّدة لدول المجلس وهيئة الاتحاد الجمركي وشركة المدفوعات الخليجية ومشروع السكك الحديدية لدول مجلس التعاون ومركز المعلومات الجمركية.
وبلغ إسهام الناتج المحلي الإجمالي لمجلس التعاون في الناتج العالمي بالأسعار الجارية في 2021م حوالي 1.8 بالمائة، وعند مقارنة التقدم المحرز لمجلس التعاون في مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية مع العالم في عام 2021م نجد أن إسهام القطاع غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بلغ 73.1 بالمائة أي 1.7 تريليون دولار أمريكي وبمعدل سنوي وصل إلى 19.6 بالمائة.
وبلغ التكوين الرأسمالي الإجمالي بالأسعار الجارية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية 29.7 تريليون دولار أمريكي بمعدل نمو سنوي بلغ 21.2 بالمائة. وارتفع إسهام القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية لعام 2021م إلى 26.9 بالمائة مقارنة بما نسبته 21.3 بالمائة في عام 2020م.
وحول الأداء العام لإسهام مجلس التعاون في مؤشرات مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة مقارنة مع الدول العربية لعام 2021م، فقد حققت دول المجلس 82.5 بالمائة في مؤشر نسبة إجمالي عدد مشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة، و68.9 بالمائة في مؤشر نسبة إجمالي التكلفة الرأسمالية لمشروعات الاستثمار الأجنبي الجديدة، و66.6 بالمائة في مؤشر نسبة إجمالي عدد الوظائف الجديدة لمشروعات الاستثمار الأجنبي المباشر الجديدة و92.4 بالمائة في مؤشر نسبة إجمالي عدد الشركات لمشروعات الاستثمار الأجنبي المباشرة الجديدة وبلغت حصة مجلس التعاون من إجمالي أرصدة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة للدول العربية 54.4 بالمائة.
وإدراكًا من أصحاب الجلالةِ والسُّمو قادةِ دول المجلس بأن النمو والازدهار الاقتصادي الذي تنعم به دول المجلس لا يمكن أن يتحقق ويتطور إلا في ظل بيئة آمنة ومستقرة، وانطلاقًا من المبدأ الراسخ بأن أمن دول المجلس كلٌّ لا يتجزأ، عُقد الاجتماع الأول لأصحابِ السُّمو والمعالي وزراء الداخلية بدول المجلس في الرياض في 23 و 24 فبراير 1982م، وكان هذا الاجتماع بداية انطلاقة للتنسيق والتعاون الأمني بين دول المجلس، حيث تشكل العديد من اللجان الأمنية المتخصصة في مختلف مجالات التنسيق والتعاون الأمني.
وانطلاقًا من قناعتها المبدئية بضرورة التصدي لظاهرة الإرهاب من خلال الجهود الإقليمية والدولية، أقرّت دول مجلس التعاون “الإستراتيجية الأمنية لمكافحة التطرف المصحوب بالإرهاب” في عام 2002م، وأصدرت في العام ذاته “إعلان مسقط بشأن مكافحة الإرهاب”. ولقد توصلت دول المجلس في العام 2004م إلى التوقيع على اتفاقية “دول مجلس التعاون لمكافحة الإرهاب”، التي صادق عليها معظم دول المجلس وأصبحت نافذة بموجب المادة الـ(46) للدول التي أودعت وثائق التصديق عليها لدى الأمانة العامة لمجلس التعاون.
وقد حظي قطاع التعليم باهتمام مجلس التعاون خلال الـ ٤٢ سنة الماضية حيث تحقق العديد من الإنجازات منها المساواة في التعليم العام والفني وتعزيز قيم المواطنة الخليجية، وأنشأت دول المجلس في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، الشبكة الخليجية لضمان جودة التعليم العالي واعتمدت الدليل الاسترشادي للممارسات الجيدة والمساواة بين أبناء دول المجلس المقيمين في المعاملة في الجامعات ومؤسسات التعليم العالي الحكومية.
وفي المجال الصحي أثبتت دول المجلس تعاونها الكبير من خلال تبادل الخبرات والتقنيات الطبية بين الدول الأعضاء والتنسيق بينها لمكافحة الأوبئة والحفاظ على صحة المجتمعات في المنطقة حيث كانت جائحة كوفيد-19 تجربة قام على إثرها مجلس التعاون بدور مهم في التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء لمكافحة انتشار الفيروس ومواجهة تحديات الجائحة وتبادل المعلومات الحيوية والتحديثات الوبائية ومكافحة انتشار الفيروس من خلال إجراءات الحجر الصحي وتطبيق الإجراءات الوقائية وتنظيم حركة السفر والتجارة الدولي.
ومن أهم الإنجازات في مجالات الثقافة والسياحة والآثار والمتاحف إنشاء مركز الترجمة والتعريب والاهتمام باللغة العربية، واعتماد الهيكل التنظيمي للمركز واعتماد الاستراتيجية الثقافية الجديدة لدول مجلس التعاون (2020 – 2030م) واعتماد القانون الاسترشادي للآثار: للمحافظة والاهتمام بالآثار والمعرض الدائم الموحد للآثار في مقر الأمانة العامة وبرنامج التعاون في مجال الآثار مع دول العالم.
وفي مجال الشباب والرياضة حققت دول المجلس العديد من الإنجازات منها كأس دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية واستراتيجية تطوير العمل المشترك في المجال الرياضي واعتماد اللوائح الخاصة باللجان الفنية التابعة للجنة وزراء الشباب والرياضة وإنشاء موقع قواعد المعلومات للعمل الشبابي (بوابة إلكترونية) والخطة الاستراتيجية للجنة وزراء الشباب والرياضة.ونال الابتكار والاختراع اهتمام مجلس التعاون حيث تم إنشاء مكتب براءات الاختراع بالأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في (أكتوبر، 1998م) وهو مكتب يختص بمجال براءات الاختراع في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال تقديم جائزة لدعم الابتكار والاختراع إسهاما منه في تحفيز المخترعين والموهوبين إضافة إلى المشاركة في المعارض الإقليمية والدولية المعنية بمجال الاختراعات واستضافة مخترعين من دول المجلس للمشاركة فيها.
وحرصت دول مجلس التعاون خلال مسيرتها على الارتقاء بمستوى وكفاءة المرأة الخليجية ودعمها ومشاركتها الفاعلة في جميع الميادين على المستوى المحلي والإقليمي والدولي حيث أظهرت مؤشرات وإحصاءات أن نسبة تمكّن المرأة في دول مجلس التعاون من المشاركة في الوظائف العليا ومجالس الإدارة للشركات بلغت 50 بالمائة، كما بلغت نسبة مشاركتها الاقتصادية في بعض دول المجلس 65 بالمائة فيما بلغت نسبة الإناث في التعليم الجامعي 59 بالمائة وبلغت نسبة مشاركتها في الأجهزة التشريعية في دول المجلس إلى 50 بالمائة.
وأكد الدكتور خالد بن سعيد العامري رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية بسلطنة عُمان على أن دول مجلس التعاون الخليجي تشهد تطورًا مستدامًا في مجال التعاون الاقتصادي، حيث أصبحت هذه الدول محورا للاستثمارات والتجارة في المنطقة، وتعزز دورها بصفتها لاعبًا رئيسًا في الاقتصاد العالمي.
ووضح أن دول مجلس التعاون تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي وثروات طبيعية واعتماد على الاقتصادات القوية، مما يجعلها مجموعة مؤثرة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وقال إن دول مجلس التعاون حققت نجاحًا ملحوظًا في تعزيز التعاون الاقتصادي بينها من خلال تنويع قواعد اقتصادها وتحقيق التكامل الاقتصادي، وقدمت هذه الدول دعمًا كبيرًا للقطاعات الاقتصادية المختلفة، بما في ذلك الطاقة، والتجارة، والتكنولوجيا، والسياحة، والنقل. وقد أسهمت السياسات والإجراءات المشتركة في تعزيز الاستثمارات وتيسير حركة البضائع والخدمات بين الدول الأعضاء.
وأشار إلى أنه في عام 2003، تم إطلاق السوق الخليجية المشتركة التي تهدف إلى إنشاء سوق مشتركة للسلع والخدمات وتحقيق حرية التجارة وحركة الأشخاص ورأس المال بين الدول الأعضاء.
وتضمنت السوق المشتركة إزالة الحواجز التجارية وتنسيق السياسات التجارية وإنشاء لجنة تسوية المنازعات التجارية.وبيّن أنه تم تأسيس الاتحاد الجمركي بين دول مجلس التعاون وإنشاء سوق مشتركة للسلع وتطبيق نظام جمركي موحّد يشمل الدول الأعضاء.
ويهدف الاتحاد الجمركي إلى إزالة الرسوم الجمركية والحواجز التجارية بين الدول الأعضاء، وتعزيز التجارة الحرة وتسهيل حركة البضائع والخدمات عبر الحدود.ووضح العامري أن تاريخ التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي يعود إلى عقود مضت في مجالات متعددة، ومنذ تأسيس المجلس تطور التعاون الاقتصادي بين دوله الأعضاء بشكل ملحوظ.
وفي بداية التعاون، تم التركيز بشكل أساس على التعاون الأمني والسياسي، ومع مرور الوقت، توسع نطاق التعاون ليشمل الجوانب الاقتصادية.وأشار إلى أنه في عام 1983م، تم تأسيس صندوق الاستثمارات العامة لدول مجلس التعاون الخليجي (الصندوق الكويتي)، الذي يهدف إلى تعزيز الاستثمارات وتنفيذ مشروعات تنموية في الدول الأعضاء، وفي عام 1989م تم إنشاء صندوق التنمية الاقتصادية للبحرين، وصندوق قطر للتنمية في عام 1991م.
وأكد على أن مجالات التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون توسعت بما في ذلك التجارة الحرة، والاستثمار، والنقل، والطاقة، والسياحة، والصناعة، والزراعة، وتكنولوجيا المعلومات، والتعليم، والبحث العلمي.
ووضح أنه تم توقيع اتفاقية التعاون الاقتصادي والنقدي بين دول مجلس التعاون في عام 1981، تهدف إلى تعزيز التعاون في المجالين المالي والنقدي، بما في ذلك تنسيق السياسات المالية والنقدية وتعزيز التعاون في المجال البنكي.
وأولت دول مجلس التعاون اهتماما كبيرا بتطوير البنية الأساسية في المنطقة، حيث تم إطلاق العديد من المشروعات الضخمة في مجالات النقل والطاقة والمياه والاتصالات منها تطوير مشروعات طاقة متجددة ومصانع لتحلية المياه، وبناء الجسر الذي يربط بين المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين.
ووقّعت دول المجلس على العديد من اتفاقيات التجارة الحرة مع دول أخرى حول العالم لتسهيل حركة السلع وتعزيز التجارة البينية وتوسيع فرص الاستثمار وتنمية العلاقات التجارية القوية.
وأضاف أن السياحة والضيافة قطاعٌ حيويٌّ في دول مجلس التعاون، حيث تم تطوير مجموعة واسعة من المشروعات السياحية الضخمة مثل الفنادق الفاخرة والمنتجعات السياحية والمراكز التجارية والمناطق الترفيهية، وتهدف هذه المشروعات إلى جذب السياح وتعزيز الاقتصاد المحلي وتوفير فرص عمل.
وأشار إلى أن صناعة الطاقة تعد من أهم قطاعات التعاون الاقتصادي بين دول مجلس التعاون، حيث تتميز المنطقة بوجود احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، وتعمل الدول الأعضاء على تعزيز التعاون في مجالات الإنتاج والتصدير والاستكشاف والتكنولوجيا الحديثة في مجال الطاقة.
كما تعمل دول مجلس التعاون على تعزيز الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الزراعة، وتتمركز الجهود على تطوير وتحسين الزراعة المستدامة وتقنيات الري الحديثة وزيادة الإنتاج الزراعي لتلبية احتياجات السكان المتزايدة.
وبيّن أن دول مجلس التعاون تولي أهمية كبيرة أيضًا لتطوير القوى العاملة وتعزيز المهارات والتدريب، حيث تم تأسيس العديد من المؤسسات التعليمية والتدريبية الرائدة لتطوير الموارد البشرية وتلبية احتياجات سوق العمل.
وأكد على أن حجم التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون يعدّ ضخمًا نظرًا للنشاط الاقتصادي القوي في المنطقة ووفرة الموارد الطبيعية، حيث بلغ إجمالي قيمة التبادل التجاري بين دول مجلس التعاون وبقية العالم نحو 1.4 تريليون دولار أمريكي بنهاية عام 2019، مشيرا إلى أن قيمة التجارة البينية بين دول مجلس التعاون تشهد نموًّا مستمرًّا وفقا للأرقام الرسمية، وبلغ إجمالي حجم التجارة البينية لعام 2020 نحو 96.5 بليون دولار أمريكي.
ووضح رئيس مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية العُمانية أن الصين تعد الشريك التجاري الرئيس لدول مجلس التعاون، حيث تشهد التجارة بين الطرفين نموا سريعا، تليها الولايات المتحدة واليابان والهند وكوريا الجنوبية وأوروبا باعتبارها شركاء تجاريين أساسيين أيضا، موضحا أن القطاعات الرئيسة في التجارة بين دول مجلس التعاون تشمل النفط والغاز والبتروكيماويات والمنتجات البترولية المكرّرة والمعادن والكيماويات والمنتجات الغذائية والسلع الاستهلاكية.